لماذا التزوير والتضليل؟
- قاسم حسين ... كاتب بحريني
- Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com
في سابقةٍ هي الأولى من نوعها، يقوم موقع «ويكيليكس» على حسابه في موقع «تويتر»، بنفي ما روّجته إحدى الصحف المحلية، بشأن تجنيد النائب أسامة مهنا من قبل السفارة الأميركية في البحرين!
الموقع الذي نال شهرةً عالميةً بعد كشفه عشرات الآلاف من الوثائق السياسية الأميركية السرية، وصف ذلك بأنه «فبركة هزلية»، مضيفاً أنه لا يمت بصلةٍ إلى أية وثيقة من وثائق «ويكيليكس».
ما أسماه الموقع الشهير بـ «الفبركة الهزلية»، استوقف بعض الزملاء وأثار لديهم بعض الشكوك بفعل حسّهم الصحافي، فقطع بعضهم الشك باليقين، وذلك بمراجعة الموقع نفسه. وكانت المفاجأة أن الموقع لم ينشر أية وثيقة خاصة بالبحرين في العام 2012، السنة المزعومة لوثيقة تجنيد النائب المهنا على يد الأميركيين! واكتشف الزميل أن آخر وثيقةٍ نُشرت عن البحرين تعود للعام 2010، أي قبل عامٍ واحدٍ من انتخاب المهنا نائباً في البرلمان.
الصحيفة التي تورّطت في هذه «الفبركة الهزلية»، طالب أحد مسئوليها على موقعه في «تويتر»، بعد ساعاتٍ فقط من نشر الخبر المزوّر، بمحاسبة النائب على اتصالاته بالسفارة الأميركية، بتهمة التخابر وإسقاط عضويته، وأفتى بأنه «لا يجوز السكوت»! فالجهة التي تفبرك الخبر، تمارس دور المحرّض أيضاً وتنصب نفسها قاضياً وتُصدِر الحكم!
في ظلّ الأزمة السياسية في البحرين، أصبح الكذب والتزوير والتضليل لدى البعض ديناً وديدناً، فالغاية تبرر الوسيلة. ويمكنك أن تخوض الأعراض وتستخف بالعقول وتضلّل الناس من أجل إحراز أهداف سياسية صغيرة. فقد شهدنا اتهام أطباء وطنيين بقتل مصابي الأحداث الذين حاولوا إنقاذ حياتهم، وتقديمهم للمحاكمة بتهمة احتلال مستشفى السلمانية بالسلاح. وغيرها من وقائع تترك في الحلوق مرارةً لا تزول، خصوصاً لوجود طبقةٍ من الناس تصدّق هذه الأكاذيب وتبني عليها مواقفها.
أهم وظائف الصحافة نقل الأخبار والمعلومات الدقيقة للقارئ، وأهم مبادئ ميثاق الشرف الصحافي العالمي: «قل الحقيقة كما هي»، لا أن تزوّرها؛ و«الإشاعة ليست مصدراً للحقيقة»، فكيف تختلق الشائعات وتنشرها؟ و«احرص على الحقيقة»، و«كن موضوعياً»، و«توخّى الدقة»، و«افصل التعليق عن الخبر»، فكيف تتحوّل مانشيتات بعض الصحف إلى آراء فاقعة ومتطرفة، ليس فيها من رائحة الخبر شيء، فتطالب بإيقاف أطباء وإدانة حقوقيين ومحاكمة معارضين وإسقاط جنسياتهم لدواعٍ سياسيةٍ بحتةٍ لا يقرّها القانون الدولي؟
لم يكن مصادفةً أن ينصّ المبدأ التاسع في ميثاق الشرف بالحرف الواحد: «لا للعنصرية»، لأن التزوير والتزييف والتحريض كلها تؤدّي في النهاية إلى مستنقع «العنصرية» الآسن. إنها تحصيل حاصل، عندما تُنشر خمسة عشر مقالاً يومياً، على مدار الأسبوع، طوال 365 يوماً، ضد فئات معينة من الشعب، وتحريضاً على تيارات وقوى سياسية معينة هي من صلب النسيج الوطني. العنصرية هي الثمر المر الذي تزرعونه طوال العام، حقداً وكراهيةً وتمزيقاً لأشلاء هذا البلد الصغير.
المبدأ الأخير من مبادئ ميثاق الشرف الصحافي العشرة: «اعرف الآخر لتفهمه»، لا أن تحرّض عليه وتتهمه في وطنيته وتشكّك في دينه وتتهمه في عرضه، كما تفعل كثير من أقلام الفتنة والشقاق.
بالأمس كذّبت المندوبة الأميركية في جنيف ما نسبت إليها صحيفة محلية من تصريحات، واليوم يردّ النائب المهنا على صحيفة أخرى: «القول أنني حاولت التعاون مع أميركا ضد البحرين دجل وترويج لادعاءات كاذبة وباطلة». أما آن الأوان لتلتزموا بميثاق الشرف الصحافي بعد؟
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4026 - الأحد 15 سبتمبر 2013م الموافق 10 ذي القعدة 1434هـ